الذين يقودون العالم ليسوا أغبياء لكي يقودوه نحو الفناء. الذين يقودون العالم هم في الغالب أصحاب البنوك الكبرى ومصلحتهم ليست في دفع الأشخاص الذين صنعوهم وأوصلوهم بقوة الإعلام والدعاية إلى كراسي السلطة لكي يضغطوا على زر السلاح النووي.
ما يحدث أمامنا في أوكرانيا ليس حربا بل شد حبل، كل طرف يختبر أعصاب الآخر لكي يعرف إلى أي حد يمكن أن يصل صبره، ومن سيرخي الحبل أولا سيكون المنهزم.
عندما اتخذ الاتحاد الأوربي في قرار سحب البنوك الروسية من نظام سويفت اتصل رؤساء أكبر بنكين روسيين بمن يتحكمون في القرار الأوربي وأخبروهم أن قرارهم يحرمهم من التوصل بمستحقاتهم المالية وسيجعلهم يتوقفون عن بيع الغاز لأوروبا، فصدر قرار في نفس الوقت يعدل القرار السابق يعفي البنكين من الحرمان من العمل بنظام سويفت.
هذه الواقعة لوحدها تظهر أن ما يحدث لعبة بين الكبار ستنتهي بتكسير وتحطيم أدوات اللعب وهم في هذه الحالة الرئيس "نص كم" الذي يعتقد أنه بالتسبب في تهجير مليوني أوكراني في أسبوع وتدمير أساسيات البلد هو بطولة حربية، ومعه الدول الأوربية التي أنخرطت في لعبة مقاطعة روسيا ومد أوكرانيا بالسلاح.
الذين يقرؤون الأحداث بشكل سطحي سيرون فيما يحدث في أوكرانيا حربا روسية أمريكية بالوكالة، لكن الذين طالعوا تقرير وكالة المخابرات الأمريكية الذي يرسم مستقبل أمريكا في أفق 2030 والذي يسمي عام 2030 عهد الصين، فالتقرير يصفها كقوة آسيوية أقوى من الولايات المتحدة وأوروبا مجتمعتين سواء من حيث عدد السكان، أو الناتج المحلي الإجمالي، أو الإنفاق العسكري أو حتى الإستثمار التكنولوجي.
ومنذ صدور هذا التقرير والبيت الأبيض لا يصنع شيئا آخر سوى وضع الحصى في حذاء التنين الصيني لإبطاء سيره. والهدف الأهم بالنسبة للبنتاغون كان وسيظل هو إفشال مبادرة الحزام والطريق، التي تعرف باسم طريق الحرير الجديد أو طريق الحرير للقرن 21، والذي خصصت له الحكومة الصينية أستثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية لربط أكثر من 70 دولة بهدف إنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى أفريقيا وأوروبا، بكلفة إجمالية تبلغ تريليون دولار.
مشروع "الطريق والحزام" سيحول الصين عند إكماله سنة 2049، ذكرى تأسيس جمهورية الصين الشعبية، إلى امبراطورية جديدة تحكم العالم بقوة المعابر التجارية البرية والمائية.
أما أوروبا، القارة العجوز، فيتوقع تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية أنهيار منطقة اليورو أو طرد الضيوف الضعيفة منها كمرحلة أولى.
ولعل الجميع الآن فهم أسباب بريطانيا الكامنة خلف خروجها من الاتحاد الأوربي، فالتحالف الأمريكي البريطاني الكندي الأسترالي أصبح يتحرك مثل ماكنة منضبطة، فيما الإتحاد الأوربي يسير متعثرا بسبب عدم قدرة دوله على تجاوز التبعية الطاقية لروسيا.
وإذا كانت فرنسا متنطعة ومتحمسة لتنفيذ تعليمات أمريكا لحلف الناتو فإن ألمانيا تبدو أكثر براغماتية طالما أنها تعرف أن تخليها عن إمدادات جارها الروسي من الغاز والبترول والحديد والفحم والقمح والشعير وعباد الشمس والعلف والبلاديوم والنيكل والأورانيوم سيقودها نحو الهلاك، وهو ما لن يزعج واشنطن أبدًا التي لديها إحتياطي استراتيجي من كل هذه المواد الحيوية يكفيها لسنوات. ولذلك سحبت أمريكا ماستركارد وستارباكس وماكدونالد وفيسبوك من العمل بروسيا فيما طالبت أوروبا أن تسحب دولها عقود إمداداتها بالغاز والحديد والفحم.
فهل يستوي الهامبرجر ببرميل النفط ؟